أدَبُ المَجَالِس القَضَائيَّة تَدَاخُلُ الهزل مَع الجِدِّ في الأدَب
الملخص
يحاول هذا البحث تَسْلِيْطَ الضوء على أدب المجالس القضائية، والتَّجَاذب بين الجدِّ الذي يمثله القاضي بشخصيته المُهابة، والهزل الذي تمثله الانزياحات المتعددة في تصوير بعض القضاة الحمقى، أو بعض صور الأحكام الغريبة، أو الممارسات التي تتناقض مع الصورة الذهنية للقضاء، وربما اندرجت في عينة الدراسة بعض النماذج التي تصوِّر حذق القضاة، وفرط ذكائهم، وحيلهم في الوصول إلى الحقائق.
وحاولت جاهداً أن أبدأ بالتوصيف الموضوعي، فتناولت أبرز الموضوعات والأفكار التي شكَّلت ظاهرة متكررة في مدونات الأدب، من مثل:حديثهم عن الهروب من القضاء، وصورة القاضي الأحمق، وضعف القاضي أمام إغراء النساء، وغرائب الشهادات، وموضوعات أُخرى حاولت أن أشير إليها إشارةً عابرةً؛ رغبة في تقديم جملة من النصوص إلى القارئ، ووقوفه على أبرز ملامحها الموضوعية.
ثمَّ بذلت جهدي في الوقوف على أبرز الملامح الفنية البازغة في تلك النصوص، محاولاً إبراز خصوصية هذا الموضوع ، فالنصوص المروية في مجالس القضاء مَنبتٌ خصب لتطبيق النَّهج الحجاجي، كما أنَّ التعالق النَّصي مع القرآن الكريم يمثِّل أداة من أدوات الإقناع، أو التخلُّص، أو الإذعان، إضافةً إلى القوالب الموجزة الكثيفة التي تتقارب إلى حدٍّ كبير مع الأمثال، وتؤكِّد أهمية الكلمة الكثيفة في مجلس القاضي، وتأثيرها عليه، وعرَّجت في حديثي الفني عن النادرة بوصفها جنساً أدبياً مستقلاً، ومدى انطباق خصوصية هذا الجنس الأدبي على بعض النصوص، وختمت مقالتي بالاقتراب إلى ظاهرة الامتزاج والتداخل بين المقامات الجادَّة والهازلة في الأدب.
إنَّني بهذه المقالة أبتغي فتح شهية الدارسين والنقاد إلى مزيدٍ من البحث والتنقيب في كنوز تراثنا العربي، وفتح آفاقٍ بحثية لأدب المجالس القضائية بشكلٍ خاص، وأدب المجالس الأخرى بشكلٍ عام، واستثمار المنهج التداولي القائم على مفهوم الكفاءة التواصلية، والسلوك، والأفعال الكلامية، ومعرفة مدى تأثير اللغة في السلوك الإنساني، ومحاولة البحث في غايات امتزاج الجد بالهزل في أدبنا العربي، وربطه بالسلوك الإنساني العام، والاعتدال الكوني، ومدى نجاعته في ضبط الجدِّ، والنأي عن الكلل.
