نظريّة (الظّاهر والباطن) عند الصوفيّة وعلاقتُها بظاهرة الغموض والكتمان لديهم
دراسة في النّشأة والمفاهيم والأسباب والنّتائج
الكلمات المفتاحية:
sufism, pantheism, shari’a law, religious mysticismالملخص
تتناول هذه الدّراسة نظريّة (الظّاهر والباطن) عند الصّوفيّة والتي تُعَدّ واحدة من أهمّ وأخطر النّظريّات التي يقوم عليها البناء المعرفي عندهم، وقد وجدنا أنّ الطّريق التي مهّدت لظهورها هي تلك الخلوات التي كان يلجأ إليها الصُّوفيّة للبُعد عن بهرج الحياة وصخبها، ثمّ أسهمت عِدّة عوامل ومؤثّرات داخليّة وخارجيّة لتتبلور في شكل نظريّة فلسفيّة متكاملة، فقد نتج عن احتفاء القوم بالواردات القلبيّة واعتقادهم بها أن زَهِدوا وزَهَّدُوا في علوم الشّريعة، وخوفًا من إنكار العلماء عليهم وتنكّر العوامّ لهم لجأوا إلى عِدّة حيل، مثل التّرويج لتقسيم الدِّين إلى (شريعة) و(حقيقة)، و(ظاهر) و(باطن)، وادّعاء أنه لا تعارض بينهما البتّة مع أنّ الواقع على خلاف ذلك بالكُلِّيّة.
وقد نشأ عن تبنّي هذه النّظريّة ظاهرتان غريبتان هما: (الكِتمان) و(الغُمُوض)، فالقوم لا يفترون عن التّواصي بإخفاء معارفهم ومشاهداتهم عمّن لم يكن من أهل طريقتهم، ثمّ إنهم إذا احتاجوا للكلام تنكّبوا درب الوضوح وكسوا عباراتهم بأردية الغُموض والهُلاميّة حتى أصبحت اللّغة الإشاريّة سِمةً ظاهرة على كتاباتهم، وحتى دخل شيء من كلامهم في حيّز الطلسمة المستغلقة باعترافاتهم، وعلى الرّغم من كونهم يبدون أسبابًا متفاوتة في تعليل هاتين الظّاهرتين إلّا أنّ الصّحيح أنّ السّبب الحقيقيّ وراءهما هو علمهم بما في اعتقاداتهم من المصادمة الصّريحة للشّرع وخوفهم من أن يُؤخَذوا بسيفه كما وقع للحلّاج حين صرّح بالقول بــ(الحلول والاتّحاد).
وقد رجّحتُ أنّ القول بــ(وحدة الوجود) هو السّرّ الأعظم الذي يُصرّ القوم على عدم البّوح به، كما أوردت دلائل بُطلان هذه النّظريّة المشؤومة، ثمّ ختمت بذكر الآثار المترتّبة على تبنِّيها