مخالفات المستفتي في الاستفتاء وأثرها في الفتوى
الملخص
إن الوصول إلى الحق في الفتوى ليس من مسؤولية المفتي فحسب، بل على المستفتي جزء من هذه المسؤولية؛ ذلك لأن عددًا من المخالفات يرتكبها المستفتي في استفتائه عن الأحكام الشرعية، تكون حائلاً دون الوصول إلى الهدف الأسمى وهو الوصول إلى الحكم الشرعي الصحيح، وبالنظر إلى هذه المخالفات يتبيّن أنها : إما أن تتعلق بالمستفتي في قصده بالاستفتاء : كأن يقصد باستفتائه غير وجه الله تعالى، أو إيقاع المفتي في الخطأ، أو التكلّف والتنطع، أو معارضة الكتاب والسنة، أو التعنت والإفحام، أو تتبع رخص العلماء، وإما أن تتعلق بمخالفاته في حال استفتائه : كالعجلة في الاستفتاء، وأن يسأل في حالة غضب ونحوه أو انشغال قلب، أو يسأل بطريقة غير واضحة، سواء أكانت بخطه أم بأسلوبه أم بصوته، أو تتعلق بما يستفتي عنه، كأن يذكر المسألة بصورة محتملة لأكثر من جواب، أو يخفي بعض الحقائق المؤثرة في الحكم، أو ينشغل في استفتائه بما لا ينفع عن النافع؛ أو يسأل عما إذا أجيب عنه ساءه أو ساء غيره، أو يسأل عما استأثر الله بعلمه، أو ينشغل بالسؤال عمّا شجر بين السلف الصالح، أو بعلل الأحكام غير المعلّلة التي لا يعقل لها معنى، عن علل الأحكام وأدلتها وهو ممن لا يستطيع إدراكها، أو تتعلق بمخالفاته في حق المفتي، كأن يستفتي غير العلماء، أو يستفتي العالم ولا يراعيه في زمانه أو مكانه أو حاله، أو يضرب بأقوال أهل العلم بعضها ببعض، أو تنعدم الأمانة لديه في نقل الفتوى أو نسبتها إلى غير من أفتى بها، أو يخالف المستفتي بطلب المفتي الموافقة بتوقيع أو مصادقة على فتوى باطلة، أو صادرة ممن ليس أهلاً للفتوى.
وازداد أثر هذه المخالفات على الفتوى مع القفزة الإعلامية والاتصالية الهائلة التي مكّنت المستفتي من التواصل مع المفتي ولو كان في شرق الأرض وهو في غربها، إذ مع كونها نعمة تسهّل عملية الانتفاع من علم العلماء إلا أن المفتي قد يكون في حال لا يعلمه المستفتي يفقد فيه بعضًا من الوسائل المعينة على دراية الفتوى على وجهها المطلوب، ولربما كان للمستفتي أغراضًا وأعرافًا وأحوالاً يعسر التعرف عليها مع عدم اللقاء المباشر إلا بعناء وزيادة جهد، وما هذا البحث إلا إضاءة حول هذه المخالفات وما تتركه من آثار سلبية ربما لا يسلم منها المستفتي ولا المفتي ولا من يود الاستفادة من هذه الفتوى .
